القائمة الرئيسية

الصفحات

مؤشرات الأداء في الإدارة التربوية المغربية: كيف تُقاس؟ قراءة تحليلية

 مؤشرات الأداء في الإدارة التربوية المغربية: كيف تُقاس؟ 

قراءة تحليلية



أصبحت مسألة قياس الأداء في الإدارة التربوية من القضايا المركزية في النقاش التربوي المعاصر، خاصة في ظل التحولات العميقة التي تعرفها المنظومات التعليمية، والانتقال التدريجي من منطق التدبير الإداري التقليدي إلى منطق الحكامة والنجاعة وربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي السياق المغربي، اكتسب موضوع مؤشرات الأداء أهمية متزايدة مع توالي الإصلاحات التربوية، بدءًا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مرورًا بالرؤية الاستراتيجية 2015–2030، و وصولًا إلى القانون الإطار 51.17، الذي أكد صراحة على ضرورة إرساء ثقافة التقييم والتتبع المبني على النتائج.

تُفهم مؤشرات الأداء في الإدارة التربوية باعتبارها أدوات قياس كمية ونوعية، تُستخدم لتقدير مدى تحقيق الأهداف التربوية والتنظيمية، وتقويم فعالية التدبير داخل المؤسسات التعليمية. وهي لا تقتصر على رصد النتائج النهائية، بل تمتد إلى تحليل سير العمليات، وجودة الممارسات، وأثر القرارات التدبيرية على التعلمات والمناخ المدرسي. وبذلك، فإن مؤشرات الأداء لا تشكل غاية في حد ذاتها، بل تعد وسيلة لفهم الواقع التربوي واتخاذ قرارات مبنية على معطيات موضوعية.

وفي التجربة المغربية، ظل قياس الأداء التربوي لفترة طويلة محكومًا بمنطق إحصائي ضيق، يركز أساسًا على مؤشرات التمدرس، ونسب النجاح والفشل، وأعداد المنقطعين عن الدراسة. ورغم أهمية هذه المعطيات، فإنها لا تعكس بالضرورة جودة التعلمات أو فعالية القيادة التربوية داخل المؤسسة التعليمية. وقد كشفت نتائج التقويمات الوطنية والدولية، مثل TIMSS وPIRLS، عن فجوة واضحة بين التوسع الكمي في التمدرس ومستوى التحكم الفعلي في الكفايات الأساس، مما أعاد إلى الواجهة سؤال ماذا نقيس؟ وكيف نقيس؟ ولماذا؟

إن قياس مؤشرات الأداء في الإدارة التربوية يفترض أولًا وضوح الرؤية والأهداف. إذ لا يمكن الحديث عن مؤشرات ذات معنى في غياب أهداف محددة وقابلة للترجمة الإجرائية. وفي هذا الإطار، يشكل مشروع المؤسسة المندمج إحدى الآليات المركزية في المنظومة المغربية، حيث يُفترض أن يحدد بدقة النتائج المنتظرة على مستوى التعلمات، والتدبير، والحياة المدرسية، ثم يربطها بمؤشرات قابلة للتتبع والتقويم؛ غير أن الإشكال لا يكمن في غياب النصوص المؤطرة، بقدر ما يكمن في ضعف توظيف المؤشرات كأدوات للتحسين المستمر، وليس فقط كوسائل للرفع التقني.

لهذا يتطلب قياس الأداء التربوي اعتماد مؤشرات متعددة الأبعاد، تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الفعل التعليمي باعتباره فعلًا مركبًا، لا يُختزل في أرقام مجردة. فإلى جانب المؤشرات الكمية، مثل نسب النجاح، والانتقال، والهدر المدرسي، ينبغي اعتماد مؤشرات نوعية تهم جودة التعلمات، ومستوى اندماج المتعلمين، وفعالية الممارسات الصفية، وجودة المناخ المدرسي، وأنماط القيادة داخل المؤسسة. ويكتسي هذا البعد أهمية خاصة في السياق المغربي، حيث تختلف شروط التعلم بشكل كبير بين المجالات الحضرية والقروية، وبين المؤسسات ذات الأوساط الاجتماعية المتباينة.

ويطرح قياس المؤشرات النوعية تحديًا منهجيًا حقيقيًا، إذ يتطلب أدوات دقيقة، مثل شبكات الملاحظة، والاستبيانات، والمقابلات، وتحليل الممارسات المهنية. غير أن هذه الأدوات تظل محدودة الاستعمال في الممارسة اليومية للإدارة التربوية، بسبب ضعف التكوين في مجال التقويم التربوي، وهيمنة ثقافة إدارية تميل إلى البساطة الرقمية على حساب التحليل العميق. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة تأهيل الفاعلين التربويين، خصوصًا الأطر الإدارية والتربوية، في مجال قراءة المؤشرات وتحليلها وربطها باتخاذ القرار.

كما أن قياس مؤشرات الأداء في الإدارة التربوية لا يمكن فصله عن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي نص عليه الدستور المغربي وأكدته التشريعات التربوية. غير أن هذا الربط يظل إشكاليًا إذا لم يُبنَ على معايير عادلة تأخذ بعين الاعتبار السياق العام للمؤسسة. فمقارنة أداء مؤسستين تختلفان من حيث الموارد البشرية، والبنية التحتية، والوسط الاجتماعي، دون تصحيح هذه الفوارق، قد يؤدي إلى نتائج مضللة، ويكرس الإحساس بالظلم المهني بدل تحفيز التحسين.

ومن جهة أخرى، يظل الخطر الأكبر في التعامل مع مؤشرات الأداء هو تحويلها إلى أدوات رقابة بيروقراطية، تُستخدم للحكم على الأفراد والمؤسسات بدل دعمها. ففي هذه الحالة، تفقد المؤشرات بعدها التربوي، وتتحول إلى مصدر للضغط والمقاومة، بدل أن تكون رافعة للتطوير. لذلك، فإن نجاح قياس الأداء في الإدارة التربوية رهين بترسيخ ثقافة مؤسسية تعتبر المؤشرات أدوات للتعلم التنظيمي، وتُشجع على تحليل النتائج بشكل جماعي، وتبادل الخبرات، وتصحيح المسارات.

وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن قياس مؤشرات الأداء في الإدارة التربوية بالمغرب يشكل رهانًا استراتيجيًا لإصلاح المدرسة، لكنه يظل مشروعًا غير مكتمل، يتطلب تجاوز المقاربة التقنية الضيقة نحو مقاربة شمولية تدمج البعد البيداغوجي، والقيادي، والسياقي. فالمؤشرات لا تُقاس فقط بالأرقام، بل تُفهم في ضوء المعنى التربوي الذي تحمله، والغاية الإصلاحية التي تخدمها. وإذا ما أُحسن توظيفها ضمن رؤية إصلاحية منسجمة، فإن مؤشرات الأداء يمكن أن تسهم في بناء مدرسة مغربية قائمة على الجودة، والإنصاف، والمساءلة الذكية.

 

مراجع موثوقة للاستئناس العلمي

·         المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي،
الرؤية الاستراتيجية 2015–2030·         القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي·         وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة

مشروع المؤسسة المندمج·         OECD (2013)

Synergies for Better Learning: An International Perspective on Evaluation and Assessment·         UNESCO (2017)

Accountability in Education

تعليقات

التنقل السريع