القائمة الرئيسية

الصفحات

 أساسيات التدبير الحديث: المفهوم والوظائف والعمليات

 



 

1.   تطور مفهوم التدبير

لقد تطور مفهوم التدبير والإدارة نتيجة تطور الدراسات المتعلقة بعلم الإدارة، وخاصة منها الدراسات المتعلقة بالتنظيم الإداري والقيادة ووظائف التدبير وعملياته. وتبعا لذلك حصل تطور من المفهوم القائم على الرئاسة والتسيير وتنفيذ المساطر والقرارات الإدارية المركزية إلى مفهوم يعتمد القيادة والقيام بوظائف التدبير وعملياته لتحقيق أهداف المؤسسة.

وقد تطورت النظرة إلى الإدارة التربوية في السنوات الأخيرة نتيجة عوامل عديدة، أهمها:

-      محاولة إضفاء الصبغة العلمية والعملية على الإدارة، واعتبار المدير(ة) صاحب مهنة تستلزم امتلاك كفايات القيادة والتدبير؛

-      النظر إلى التدبير (الإدارة) باعتباره وظائف وعمليات وتفاعلات وعلاقات إنسانية؛

-      اهتمام الإدارة والمقاولة بالفئات المستهدفة، وتركيز المؤسسة التربوية على المتعلم بجعله في قلب اهتماماتها.

-      التوجيه من نظام التدبير المركزي إلى نظام التدبير الجهوي والمحلي؛

-      اعتماد مقاربات وتقنيات جديدة بحثا عن مزيد من الفعالية في تحيق الأهداف والنتائج؛

-      إقامة تكامل بين بعدين رئيسيين: وظائف التدبير وعملياته، وطرائق القيادة وأساليبها في التدبير.

 

2. القيادة التربوية للمؤسسة

القيادة (Leadership) التربوية للمدرسة سلوك يقوم به المدير(ة) القائد لتوجيه نشاط المجالس والأساتذة والتلاميذ والشركاء لتحقيق رسالة المدرسة. والقيادة وظيفة لها دور أساس في نجاح التدبير، وكفاية يتفاعل فيها الفن بالعلم لتمكين المدير(ة) القائد من كسب ثقة واحترام المجالس والأساتذة والتلاميذ والشركاء، ومن القدرة على التأثير في سلوكهم ومواقفهم، وحفزهم إلى الانخراط الفعال في تحقيق أهداف المدرسة.

ومن أهم الأدوار المميزة للقيادة:

-      المبادرة والتصرف الملائم حسب طبيعة كل موقف؛

-      استشراف أفكار واقتراحات وحلول جديدة تسهم في إثراء العمل وإيجاد الحلول الملائمة؛

-      التدبير التشاركي والإنصات للفرقاء وتعزيز تبنيهم للعمل ومساهمتهم فيه؛

-      التواصل الفعال مع المربين والمتعلمين والشركاء؛

-      التنشيط الفعال لمجالس المؤسسة ولأدوار العاملين بها؛

-      إنجاز وظائف التدبير وعملياته (من تخطيط وتنظيم وتوجيه...) بأسلوب قيادي.

-       تنسيق أعمال المجالس وجهود العاملين بالمؤسسة.

3. وظائف التدبير وعملياته

من بين النظريات المتداولة في علم الإدارة نظرية تحديد التدبير (الإدارة) باعتباره مجموعة من الوظائف والعمليات المتفاعلة فيما بينها لتحقيق أهداف المؤسسة. وقد كان لسيرز "Sears" أثر كبير في محاولة تطبيق مبادئ الإدارة في الميادين الأخرى على الإدارة التعليمية بحكم اشتغاله في ميدان التربية، وأوضح في كتابه "طبيعة عملية الإدارة وإدارة المدرسة العمومية بصفة خاصة: The Nature of the Administrative Process, with Special Reference to Public School Administration." أن أهم وظائف العمل الإداري تشمل التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والتنسيق، والمراقبة.

-    التخطيط: إعداد قبلي لاتخاذ القرار بخصوص موضوع أو مشكلة معينة لتحديد ما سيتم إنجازه حتى لا يكون التدبير عشوائيا. ويختلف الإعداد في صعوبته وأهميته حسب الموضوع أو المشكلة.

-    التنظيم: تحديد كيفية إنجاز العمل واستعمال الموارد وتوزيع المهام لتنفيذ القرارات المتخذة بكيفية فعالة.

-    التوجيه: عملية مركبة تشمل استعمال القيادة والسلطة والتواصل والتنشيط والحفز لتوجيه العملية التربوية والعاملين بالمؤسسة في الاتجاه المطلوب.

-   التنسيق: إقامة الانسجام والتكامل بين مختلف العناصر والمكونات التي يشملها تدبير المؤسسة، فهناك مكونات التدبير التربوي والبيداغوجي، ومكونات التدبير الإداري، ومكونات التدبير المادي والمالي، وتدبير علاقات المؤسسة مع الشركاء والمحيط. وهو ما يتطلب تنسيق الجهود وتضافرها لتصب في تحيق أهداف العملية ا لتربوية.

-    المراقبة: عملية تقويم للموارد المستثمرة والنتائج المحصل عليها. وهي تهدف إلى إدخال التعديلات الضرورية حتى يتم التيقن من أن أهداف المؤسسة والخطط الموضوعة لتحقيقها سيتم احترامها. 

 

4- من التدبير التقليدي إلى التدبير الحديث للمؤسسة التعليمية

1 - خصائص التدبير التقليدي (الإدارة التقليدية) :

-      غلبة مهام ممارسة السلطة والانفراد بالقرار على سلوك المدير(ة) الآمر والمراقب رسميا لتطبيق القوانين والمساطر وفق سلوك المدير الرئيس.

-      اعتماد مفهوم التسيير (Administration- Gestion) .

-      القيام بالمهام التقنية والإجراءات الروتينية  وتطبيق التعليمات الواردة من إدارة عليا، مع سيادة النزعة البيروقراطية. 

-      القيام بمهام محددة إداريا دون أخذ المبادرة.

-      التركيز على الإجراءات والمساطر الشكلية وتنفيذ التعليمات.

-      اعتماد العمل الفردي.

-      عدم استلزام التمكن من مجالات معرفية مختلفة.

-      قلة الاهتمام والانشغال بالنجاعة والفعالية، واعتماد  تقويم المؤسسات على الالتزام بالتعليمات.

-      تركيز سلطة القرار بين أيدي شخص واحد غالبا ما  يكون في إدارة أعلى ضمن الهرم الإداري (سيادة النظام المركزي).

 

2 - خصائص التدبير الحديث (الإدارة الحديثة) :

-      قيام المدير(ة) بأدوار قيادية في التدبير، باعتباره  قائدا منسقا ومشجعا ومنشطا يعتبر الإدارة وسيلة لخدمة التعليم والتعلم وفق سلوك المدير القائد.

-      اعتماد المفهوم الحديث للإدارة  (Management).

-      القيام بوظائف ومهام وأدوار متنوعة، تشمل: التسيير(Diriger) والإدارة (Administration ( والقيادة Conduire)) والإرساء (Construire) والتمكن (Maîtriser) والمسك Tenir)) والتنظيم (Organiser) والمناولة (Manier) والتطوير (Développer) ، كما تشمل مفهوم النجاح في العمل وتحقيق نتائج إيجابية واستعمال وسائل ناجعة.

-      استلزام أخذ المبادرة والتطوير والإبداع.

-      القيام بعمليات منظمة ومتكاملة تشمل: التخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والمراقبة، والتقويم، والتتبع.

-      اعتماد المقاربة التشاركية.

-      استلزام الإلمام بمجالات معرفية متنوعة منها علم الإدارة وفروع علم النفس والقانون الإداري.

-      اعتماد ثقافة "المقاولة" والتدبير الفعال للموارد البشرية عن طريق التواصل الجيد والحفز والتقويم القائم على النتائج والفعالية في استعمال الموارد المادية والمالية.

-      تخويل قسط كبير من سلطة القرار للمؤسسة نفسها، وغالبا ما تكون هذه السلطة مقسمة بين مكونات ومجالس المؤسسة ضمن مقاربة تشاركية غير متمركزة.

 

5 - مقاربات التدبير الحديث :

 

تتنوع المقاربات العامة في مجال الإدارة الحديثة لتطوير طرائق التدبير بكيفية تمكن المؤسسة من أداء وظائفها وتحقيق أهدافها بكيفية فعالة وناجعة. وفي إطار هذه المقاربات ظهرت طرائق عديدة، منها التدبير بالأهداف، والتدبير بالنتائج، والتدبير بالمشاريع. فما أهم خصائص كل طريقة من هذه الطرائق؟

 

التدبير بالمشاريع :

·      المشروع بكافة مكوناته

·      النظرة الشمولية لرسالة المؤسسة، التشخيص، الأهداف، برمجة الأعمال، توزيع المهام،  التنفيذ، التقويم، التتبع.

·      الأهداف والعمليات متكاملة ومتناسقة ومنسجمة فيما بينها

·      - يترجم المشروع إلى "خطط عمل" تشتمل على الأهداف والعمليات ورزنامة الإنجاز وتوزيع المسؤوليات والمهام .

·      من مواصفات المشروع الجيد:  * التركيز على التعلم -  *الاستجابة لحاجات المؤسسة - * الاشتمال على خطة ذات عناصر متكاملة - * مشاركة مختلف الفاعلين فيه  بقيادة رئيس المؤسسة .

 

التدبير بالأهداف :

·      العنصر الأساس هو الهدف

·      الأهداف العامة / الأهداف الإجرائية / القابلية للتنفيذ / كيفية التحقق من بلوغها

·      يتفق العاملون بالمؤسسة على أهداف مشتركة يسعون جميعا لتحقيقها، دون أن تكون مفروضة.

·      لا توجد فروق بين الأهداف من حيث مستوى أهميتها أو شموليتها

·      ترابط وتكامل بين الأهداف.

·      يأخذ المخطط شكل جدول يتضمن الأهداف والعمليات وتواريخ الإنجاز والمسؤولين على التنفيذ

·      من مواصفات الأهداف الجيدة:  * الوضوح والدقة - * القابلية للقياس - * القابلية للإنجاز - * المعقولية - * الاستجابة للحاجات - * تحديد مدة الإنجاز - * الاتفاق عليها من العاملين

 

التدبير بالنتائج :

العنصر الأساس هو النتيجة : النتيجة الاستراتيجية/ - النتائج الوسيطة / - المؤشرات

·      تشكل النتيجة الاستراتيجية  العنصر الجامع الذي يوحد بين جميع النتائج الوسيطة

·      توجد فروق بين النتيجة الاستراتيجية والنتائج الوسيطة من حيث الأهمية والشمولية

·      توجد علاقة سببية بين النتائج الوسيطة والنتيجة الاستراتيجية

·      يأخذ المخطط شكل شجرة للنتائج ترتبط النتيجة الاستراتيجية بالنتائج الوسيطة والمؤشرات المطابقة لها.

·      من مواصفات النتائج الجيدة: * التمييز بين النتائج الوسيطة والنتيجة الاستراتيجية - * القابلية للتحقيق - * القابلية للقياس بواسطة مؤشرات إنجاز محددة - * وضوح علاقة النتائج الوسيطة بالنتيجة الاستراتيجية .

 

الخصائص المشتركة :

-    تشكل الطرائق الثلاث مقاربات تعتمد التدبير المعقلن والهادف والموجه

-    تتوخى الطرائق الثلاث الفعالية والنجاعة في استعمال الموارد

- تختلف الطرائق الثلاث عن المقاربة التقليدية التي تنبني على تطبيق التعليمات والمساطر الإدارية.

 

من حيث المستلزمات : رغم اختلاف نقطة الانطلاق فإن الطرائق الثلاث تستلزم العناصر الآ

تشخيص وضعية المؤسسة                 

- البناء على أساس الحاجات والموارد المتاحة

-      تشكيل فريق العمل وتفعيله             

- التخطيط والتنظيم والتنفيذ والتتبع

- القيادة الفعالة                               

- استعمال مؤشرات للإنجاز في التقويم والتتبع

 

من حيث الخصائص الضرورية :

الطرائق الثلاث في أشكالها المتطورة تتطلب الدقة في:

-    صياغة العناصر الرئيسية (صياغة المشروع ومكوناته، صياغة الأهداف، صياغة النتائج)

-    وضع المؤشرات والتأكد من وضوحها وقابليتها للقياس

توضيح العلاقة بين المكونات المختلفة (بين الأهداف والأعمال أو بين النتيجة الاستراتيجية والنتائج الوسيطة والمؤشرات)

 


 6 - مستجدات تدبير المؤسسات التعليمية :

 

تتجلى أهم مستجدات تدبير المؤسسات التعليمية في المجالات الآتية:

1. إرساء آليات جديدة لتدبير المؤسسات التعليمية

تم إحداث آليات جديدة لتدبير المؤسسات بموجب المرسوم (رقم 376. 02. 2) المحدد للنظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي. ومن أهم خصائص هذا النظام:

-      إحداث آليات جديدة للتأطير والتدبير الإداري والتربوي مكونة من إدارة تربوية ومجالس (المادة 9).

-      توافق إحداث مجلس التدبير مع التوجهات الحديثة لتدبير المؤسسات بواسطة المجلس الإداري أو مجلس التدبير، وهو ما أصبح معمولا به في جل المؤسسات مثل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.

-      تخويل مجلس التدبير صلاحيات تقريرية تعتمد اتخاذ القرارات بأغلبية الأصوات، فإن تعادلت الأصوات رجح الجانب الذي ينتمي إليه رئيس المجلس (المادة 21).

-      اعتماد مقاربة تشمل عمليات التدبير من تخطيط وتنظيم وتنسيق وتوجيه ومراقبة وتقويم وتتبع.

-      تمثيلية المربين والمتعلمين الراشدين وشركاء المدرسة في مجلس التدبير والمجلس التربوي ومجالس الأقسام.

-      تبني مقاربة تشاركية قائمة على مساهمة كافة المجالس حسب المهام المسندة إليها وتنسيق الأعمال واتخاذ القرارات على مستوى مجلس التدبير.

 

2. إرساء تدبير يستلزم تمكن المدير(ة) من كفايات جديدة في التدبير

  يمكن إبراز أهم العناصر التي تستلزم امتلاك كفايات جديدة للتمكن من تدبير المؤسسة فيما يأتي:

-      إسناد أدوار ومهام جديدة لمدير(ة) المؤسسة التعليمية تقتضي التمكن من كفايات القيادة ووظائف التدبير.

-       اشتراط الميثاق حصول المدير على تكوين أساسي في الإدارة التربوية، وتنظيم دورات التكوين المستمر لفائدة المديرين الحاليين. (المادة 149).

-      مراجعة برامج التكوين الأساسي والمستمر للمديرين والمديرات، وهي مراجعة ينبغي أن تكون مستمرة في إطار البحث عن توافق أمثل بين التكوين والحاجات العملية للتدبير الفعال وقيادة المؤسسة.

-      مراجعة معايير الانتقاء وتزايد الدعوة إلى اعتماد صيغة مبسطة من صيغ الترشح المرفق بمشروع لتطوير المؤسسة، على غرار ما هو معمول في مشاريع التباري لإدارة مصالح كثير من مؤسسات التربية والتكوين.

 

3. ترسيخ وظائف وعلاقات جديدة للمؤسسة

من بين هذه الوظائف والعلاقات:

- انفتاح المؤسسة على محيطها ونسج علاقات جديدة مع المجتمع المحلي.

- إعداد أنشطة البرنامج المحلي الذي يستغرق 15 في المائة من مدة التكوين.

- نشر ثقافة الشراكة وتخويل المدير صلاحية إبرام اتفاقيات للشراكة وعرضها للموافقة على الأكاديمية المعنية

- مساهمة شركاء المدرسة في مجلس التدبير والمجلس التربوي ومجالس الأقسام.

- تقديم خدمات تربوية وتثقيفية مختلفة منها على الخصوص (المادة 4):

·      إنجاز برامج للتكوين والتكوين المستمر لفائدة العاملين بالمؤسسة أو بمؤسسات أخرى؛

·      الجمع بين التربية النظامية والتربية غير النظامية على سبيل التعاقب، وإنجاز برامج للدعم التربوي ومحاربة الأمية؛

·      استضافة العروض العلمية والثقافية والفنية والرياضية والتكنولوجية.

 


تعليقات

التنقل السريع